الصحة النفسية في بيئة العمل | من الاحتراق إلى الإلهام

الصحة النفسية في بيئة العمل | من الاحتراق إلى الإلهام

في ظل وتيرة العمل المتسارعة وضغوط الأداء، أصبحت الصحة النفسية في بيئة العمل واحدة من أهم أولويات المؤسسات حول العالم.
فالموظف اليوم لا يحتاج فقط إلى بيئة عمل منظمة، بل إلى بيئة إنسانية تحترم توازنه، وتدعم طاقته، وتفهم احتياجاته النفسية والعاطفية.

تشير الدراسات إلى أن الاحتراق الوظيفي أصبح أحد الأسباب الرئيسية لترك العمل عالميًا، حيث يعاني أكثر من 60% من الموظفين من مستويات متفاوتة من الإجهاد المزمن. ومع ذلك، تظهر الأبحاث أن المؤسسات التي تهتم بالصحة النفسية تحقق إنتاجية أعلى بنسبة 23%، وتتمتع بولاء وظيفي أكبر بنسبة 43%.

ما هو الاحتراق الوظيفي؟

الاحتراق الوظيفي (Burnout) حالة من الإرهاق النفسي والعاطفي والجسدي ناتجة عن ضغوط عمل مستمرة، غالبًا دون دعم أو توازن كافٍ.
وتتجلى أعراضه في:

  • فقدان الحماس والرغبة في الإنجاز.
  • انخفاض التركيز وجودة الأداء.
  • زيادة الغياب أو الانسحاب الاجتماعي.
  • مشاعر الإحباط أو القلق المستمر.

الاحتراق لا يحدث فجأة، بل هو نتيجة تراكم طويل من الإجهاد غير المُدار وسوء الفهم التنظيمي لاحتياجات الموظف.

لماذا تُعد الصحة النفسية استثمارًا مؤسسيًا؟

  • رفع الإنتاجية والاستقرار: الموظف المتوازن نفسيًا أكثر كفاءة واستدامة.
  • تقليل التكاليف غير المباشرة: مثل الغياب المتكرر أو دوران الموظفين.
  • تحسين صورة العلامة الوظيفية: المؤسسات التي تهتم بصحة موظفيها تجذب أفضل الكفاءات.
  • خلق بيئة عمل مرنة: تدعم التكيف مع الأزمات والتحديات المستمرة.

علامات مبكرة على تراجع الصحة النفسية في بيئة العمل

  1. زيادة الشكاوى أو الصراعات الداخلية.
  2. انخفاض المشاركة في الأنشطة الجماعية.
  3. تكرار الأخطاء وقلة التركيز.
  4. الانسحاب العاطفي أو فقدان الشغف بالعمل.
  5. ارتفاع طلبات الإجازات غير المخطط لها.

كيف يمكن للمؤسسات دعم الصحة النفسية للموظفين؟

1. خلق ثقافة وعي نفسي داخل المؤسسة

ابدأ بفتح الحوار حول الصحة النفسية، وكسر الحواجز المرتبطة بالخوف أو الوصمة.

2. تدريب القادة على التعاطف والاستماع

القادة هم خط الدفاع الأول ضد الاحتراق، ومن خلالهم تُبنى بيئة الثقة والدعم.

3. توفير برامج دعم نفسي ومهني

مثل جلسات الاستشارة أو خطوط المساعدة السرية التي تقدمها مؤسسات متخصصة.

4. تعزيز التوازن بين الحياة والعمل

السماح بالمرونة في أوقات العمل وتشجيع الإجازات المنتظمة.

5. تقدير الجهد لا الوقت

قياس الأداء بجودة الإنجاز بدلاً من عدد الساعات.

6. إشراك الموظفين في الحلول

الاستماع إلى آرائهم حول السياسات، فغالبًا يعرفون أين تكمن الضغوط الحقيقية.

أسئلة شائعة حول دعم الصحة النفسية

ما الفرق بين الضغط الصحي والاحتراق الوظيفي؟

الضغط الصحي يحفّز الأداء ضمن حدود مقبولة، بينما الاحتراق ينتج عن استمرار الضغط دون دعم أو توازن.

هل مسؤولية الصحة النفسية تقع على الموظف فقط؟

كلا، هي مسؤولية مشتركة بين المؤسسة (بتوفير بيئة داعمة) والموظف (بممارسة العناية الذاتية).

كيف يمكن قياس أثر برامج الصحة النفسية؟

عبر استبيانات الرضا، ومؤشرات الغياب، ومستوى الإنتاجية، ومعدلات الاحتفاظ بالموظفين.

الخلاصة

الصحة النفسية ليست موضوعًا هامشيًا، بل ركيزة استراتيجية في استدامة الأعمال.
عندما يشعر الموظفون بأن مؤسستهم تهتم بسلامتهم النفسية، فإنهم يمنحونها أفضل ما لديهم من التزام وشغف وإبداع.
إن الانتقال من الاحتراق إلى الإلهام لا يحتاج إلى حلول معقدة، بل إلى إرادة إنسانية ترى الموظف كقيمة لا كأداة.